Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
أكشتيم
Derniers commentaires
Archives
17 avril 2009

شعر أبي العباس الجشتيمي

36357430_p_1_

شعر أبي العباس الجشتيمي : الذي صنع منه الباحث ديوانه المؤلف من جزأين، واستنتج منه روافده التي يرى أنها كوَّنتها مناحي ثقافته، واتساع دائرة معارفه؛ فذكر منها القرآن الكريم، والحديث الشريف والسيرة، والتصوف، والإبداعات الأدبية.

فقد أقبل على العلم بمختلف فروعه، لأنه مولع بالبحث عن الكتب؛ باستعارتها من العلماء أو ورثتهم، ونسخ بعضها، وقراءتها والاستفادة منها، كاشتياقه لقراءة "أحكام القرآن" لأبي بكر ابن العربي المَعافري الذي كان موجودا بخزانة العلامة القاضي أبي سالم إبراهيم بن محمد الإكراري الذي خاطبه بأبيات منها :

وقـد أخـبـروني أنــه فــي خـزانـــــة

لكــم مـثـــل روض فـي الخميلة منتد

فــزاد اشـتـيــاقي نحوه ورغبت في

إعــارتــه مـنـكــــم لـنـسخ مــبـــــرّد (22)

وقد شهد بعض العلماء بأنه كان "عالم سوس وتارودانت" و"شيخ الجماعة في النواحي السوسية في زمانه" و"علامة المغرب على الإطلاق في زمانه ..حتى صارت الرحلة في زمانه بالسوس لا تتعداه "(23) فقد كان لغويا متمكنا؛ مستحضرا مفردات اللغة العربية استحضارا غريبا؛ مع أنه أمازيغي. وكان فقيها بارعا، وأصوليا وبيانيا ومفسرا، وكان طبيبا حاذقا، يتعامل مع كتب الطب الرائجة في عصره؛ يصف الأدوية النافعة لمن يطلب منه ذلك . إضافة إلى أنه بلغ في الأخلاق الفاضلة مبلغا عظيما، وتسلق في الزهد والورع ذُرى عالية، جعلته قِبلة الأنظار، ومحط الإعجاب والاحترام (24).

وقد مر أبو العباس الجشتيمي بتجربة المشارطة في المساجد للتدريس، ولما شعر بفساد نيات الطلاب، واقتناعه بأنهم لا يطلبون العِلم لله، ونفع الأمة، وإنما يتخذونه سلما للجاه والثراء. (25) ثم اتصل بالسلطان المولى عبد الرحمن، وبخليفته من بعده المولى محمد ابن عبد الرحمن، واتصل بالمولى الحسن الأول فنال عنده حظوة كبيرة، وانقطع إليه مدة من الزمان، يؤمه في الصلاة، ويرافقه في حله وترحاله، لأنه بهره علمه وزهده وورعه، فاعتنى به وأكرمه، وأغدق عليه الهدايا. وفي بلاط السلطان تعرَّف [إلى] كتَّاب ووزراء وقضاة، وتبادل مع بعضهم الرسائل والأشعار، وخص السلطان الحسن الأول في مناسبات عديدة بقصائد شعرية طنَّانة، رأى الباحث أنها تنم عن طول نفَسه، وقدرته الفائقة على النظم، ومراعاته لآداب مخاطبة الملوك .(26)

وقد تخلل فترة حياته المجاورة في الحرم المكي، مما جعله يستغل إقامته في الحجاز، فاتصل بالعلماء، واستجازهم، وقدم إليهم أسئلة منظومة في بيع "الثنيا" الذي عمت به البلوى في سوس وفي أخذ المحكَّم الأجرة على الحُكم، وفي أجرة المُشارِطين في المدارس لتعليم القرآن الكريم وعلوم مختلفة، وهدية الولاة الجائرين. فأجابه مفتي المالكية والحنفية والشافعية. (27)

ونظرا لسعة علمه وورعه أسند إليه السلطان الحسن الأول خطة القضاء فاستعفاه منها بقوله : 

فـإنــي لـم أقـدر عـلـى حمل ثقلها

لما كان في عقلي وعلمي من الوهن

وقـلّـــة عـــون مـن ولاة بــــلادنــــــا

وقـلــة مـرضـيّ الـشهود بذا الزمن

وأسندها إليه المولى عبد العزيز، فاستعفاه منها أيضا برسالة نثرية مرفقة بأبيات شعرية منها : 

يـســأل إغـضــاء مــولاه ويـنــظــمه
في سلك من هو في الأحباب معدودُ
مــع إقـالـتــه مــن خــطـَّـة عظُمت
أهـــوالــهــا فـبـهــا لـلـعـبــد تـسـهـيدُ
إقــالـة ضـمـنـهـا صـون الـمليك له
مـن كـل مـا هـو لـلـحـسّاد مـــودودُ

وعُرِف عنه جرأته في الجهر بالحق جرأة يفرضها عليه الدين الحنيف، إرضاء لله I، فوُفق في مساعيه، وانتصر على من ناصبه العداء، ووشى به وشاية كاذبة لدى الدوائر الحكومية العليا، فقد كان مدافعا عن الشريعة الإسلامية ومحاميا نزيها للطبقات الاجتماعية المستضعفة، هادفا إلى تطهير المجتمع من الظلم الذي تفشى فيه، متحليا بالصبر؛ وهكذا تصدى لبعض الطغاة المعتدين على حقوق الناس، منهم الفقيه القاضي عبد الرحمن بن المبارك الكطيوي الروداني الذي أسند إليه القضاء بتارودانت فساءت سيرته وكثر ظلمه (28). والفقيه ابن اليزيد الذي تولى قضاء تارودانت بكيفية غير مشروعة، فصدرت منه أمور تتنافى مع الاستقامة ونشر العدل بين الناس، فرفع أبو العباس الجشتيمي قضيته إلى السلطان، وإلى خليفته بمراكش المولى عبد الحفيظ، وغيره من المسؤولين في الحكومة. وعلى المستوى العَقَدي وقف أبو العباس في وجه الانحراف العقدي المتمثل في الغلو والمبالغة، وتجاوز الحدود، وتزكية النفس، لأن ذلك يسيء إلى العقيدة، وربما أدى إلى الشرك. كقول ابن العربي الأدوزي على لسان شيخه أبي علي الحسن التمكدشتي

إنـي بــإذن الله مـحــي مـبـــــــــرئٌ
ومـمـيـت قـلـب الـجـاحـد الـخوَّان
وأنـــا الـــذي للخلق يقسم رزقهم
قــــســــم الإلـــــه بـأعــــدل الأوزان
وأنــا الــذي لـولاه فـي الـدّنـيـا لـما
سـلــم الأنـــام بــهـا مــن الـنّـــيـــــران
وأنـــا الـذي ما شئت شاء محمد
وإذا أبـيــت أبــى مـدى الأحـيــان (29)

فرد أبو العباس على هذه الادعاءات المحرِّفة لمبادئ الإسلام بقصيدة طويلة؛ نجتزئ منها قوله : 

قـولـــوا لــه مــا هـكــــذا مـــا هـكــذا

سارت أكابر سالف الأزمان

أتـــرى مـقــامَـــك جــلَّ فــوق مـقامهم
حتى تركت مناهج الركبان [؟!]
وجريت في الصعب المضيَّق دون ما
يجرون فيه من أفسح الميدان

لو قد سكتت عن الدعاوي كان أد

نـى لـلـتـقــى وفـضـيلة الإنسان ...

نــور الـهـدايـة واضـح كـالـشـمـس لا

يـخـفـى بـتـلـبـيـــس ولا نكران (30)

            

وهو ردٌّ طغى عليه أدب المناظرة والحوار الهادئ، الخالي من ذكر اسم المحاوَر، ومن الكلمات الجارحة، والأساليب القدحية، لأن الجشتيمي كانت السُّنَّة منطلقه، على الرغم من كونه متصوفا . فقد أشار الباحث إلى الاختلاف الكبير الموجود بين أدلته المعتمدة الحججَ الدينية القوية، ومنهجه في أسلوب إقناع محاوره، وبين أدلة محمد بن العربي الأدوزي المغالي في حب شيخه أبي علي التمكدشتي، ووصفه بخوارق مخالفة للدين الإسلامي، ثم إن أبا العباس الجشتيمي يعتمد الدليل القوي في أسلوب الإقناع، بخلاف محمد بن العربي الأدوزي الذي يفتقر أسلوب الإقناع عنده إلى الأدلة الدامغة، وإنما يورد أقوالا مجرَّدة، يتقبلها المغالون في التصوف، وهذا ما جعل محمد المختار السوسي يصف الجشتيميين بكونهم سنيين حقا (31) .

على الرغم من كون عالِمهم أبي العباس الجشتيمي يميل إلى علم التصوف المعتدل الذي كوَّن رافدا من روافد تجربته الشعرية (32) في حين يكون ردُّ المحاوَر (ابن العربي الادوزي ) معتمِدا في منطلقه التصوُّفَ المتسم بالمغالاة، الذي غرق فيه إلى الأذنين، كما يقول المختار السوسي (33) .

إن ما أورده الدكتور اليزيد الراضي عن مشاركة الأديب أبي العباس الجشتيمي في مجالات متعددة؛ انتظمت حياة مجتمعه، يخلق في نفس متتبع ما كَتَب، وما كتب عنه، التشوق إلى طلب الاستزادة من معرفة كل ما يتعلق بحياة هذا الرجل العالم الشاعر الورع المصلح، فقد لحظ الباحث أن الرجل ليس من العلماء الذين يطغى على بحثهم واهتمامهم النوازل الفقهية، ولا من الصلحاء الذين ينسيهم إقبال الناس عليهم أحاديث الشعر والنثر، بل كان من الفقهاء الصلحاء الذين عرفت حياتهم التوازن، فتكاملت شخصيتهم. وقد كان لأبي العباس فضل كبير على طلبته الذين لم يوجههم توجيها فقهيا فحسب –وهو منهج ثلة من الشيوخ – الذين تعاطوا التدريس في المدارس العتيقة بسوس، ولكن زرع في ملكاتهم تذوق الأدب، والنهل من معين عيونه، "فكان منهم أدباء مرموقون ومتأدبون متوسطون، وأغلب من مرَّ بين يديه يتذوَّق الأدب، ويطرب له" (34) فقد كان يقوِّم محاولات طلبته في الإبداع الشعري بأسلوب نثري وشعري. كقوله مخاطبا تلميذه سيدي محمد الكطيوي، مجيبا إياه عن أبيات بعثها إليه؛ وهو جواب يقطر تواضعا ولباقة في إصلاح الأخطاء التي تخللت تلك الأبيات، يقول:

عـلـيك سلامٌ طيِّب النشر ما علا
بصدق رجاء صهوةَ العِزِّ من علا
وبـعـد فـقـد أهـديـتَ أبكار فكرة
لـِطــافــا إلـى مـن ليس كفئا مُؤَهَّلا
قـد اسـتـسـمنت منه أخا ورم ولم
يكن نفخُها حيث الضِّرام فيشعلا
فـمـا لــك مـغــتــرّا بــلــمـع سـرابــــه
وكـنـت تــُرى فـي الـحي أنبهَ أنبلا

فـقـد راقت الأبيات معنى وآنقت

وإن كـان بعضُ النَّسجِ منها مُهلهلا

تـحـرَّ صـوابَ الـقـول والفعل والتزم

فـديـتـك إجراءً على ما تــــــأصَّلا (35)

ولننظر إلى هذا العالم الأديب الذي لم يرضع اللغة العربية من ثديي والدته وإنما رضع الأمازيغية، لكنه استوعب قواعد اللغة العربية وعلوم الآلة، وقواعد الشعر، فأخذ بناصية هذه اللغة؛ مما أدى به إلى أن تأخذه غيرة شديدة عليها، بدافع ديني، فيعيب على أحد مخاطَبيه ارتكاب اللحن في بنياتها التركيبية، كما قال في جوابه عن رسالة منبها صاحبها إلى أخطائه، يقول :

وبـعــد فــإن الـلـحـــن يـشـبــه فـي كــــلا
مــنــا أثــر الـجـدريّ فـي الـطَّلــعـــــات
قـبـيـحٌ بـأهـل الـعـلـم مفضٍ بهم إلى الـــــــ
خـطــا فـي أمـور الـدّيـن والــــزَّلـــقــات

إذ الـدّين في الذكر الحكيم وفي الحديـــــــ

ث  جــا  بـلـسـان الـعُرْب بــ[اللهجــات] (36)

على قدر فهم المرء في اللغة استقـــــــــــ

امـــة الـفـهـــم فـي أجــلِّّ وصــــــــــــــاة

وقـد بـان مـنـك مـا يـدلُّ عـلى رضـــــا

ك فـــي الـفـنّ بــالـسُّفــلــي مـن الرُّتبات

ولمحمد المختار السوسي شهادات في هذا الباب؛ منها قوله في معرض إيراده لمطلع قصيدة الحاج محمد بن بلقاسم اليزيدي،  وهو:

نـويــت وقـصــدي الأكـرمـين من الرشد
أزورُ أمـيــر الـمـؤمـنـيــن عـلــى بــعـــد

"ونسمع أن لشيخه الجشتيمي بحثا معه في هذا المعنى، لا نعرف كيف هو " (37)

وقد نبغ من بين طلبة أبي العباس الجشتيمي أدباء مشهورون ذكر منهم الدكتور اليزيد الراضي أحد عشر أديبا؛ وهم الأديب محمد بن الحاج أحمد الإفراني التنكرتي (ت 1340هـ ) والأديب الطاهر بن محمد الإفراني التنكرتي (ت 1374هـ ) والأديب محمد بن علي بن محمد الروداني (ت 1320هـ ) والأديب الحاج ياسين بن محمد السملالي (ت 1319هـ ) والأديب الحاج بن محمد بن بلقاسم اليزيدي (ت 1309هـ ) والأديب عمر بن عبد الرحمن  بن محمد التازولتي التملبي والأديب أحمد بن عبد الله أقاريض الصوابي (ت 1365هـ ) وأخوه الأديب محمد أقاريض الصوابي والأديب عبد الرحمن  بن أحمد الكدورتي الإيسي والأديب الطيب بن إبراهيم الملكي الهشتوكي .

وفي منحى آخر من مناحي حياة أبي العباس الجشتيمي نلحظ أن حبه لسلاطين الدولة العلوية الذين عاصرهم، كان حبا صادقا خاليا من التملق والنفاق المعتادين عند الكثير من الشعراء، بدليل قوله في رسالة وجهها للسلطان المولى الحسن  الأول، متحدِّثا عن نفسه بضمير الغائب :" فإن علم الله منه، أنه أضمر خلاف ما أظهر لسيده، أو لم يجب له الدرجة العليا في الدين والدنيا، أو لم يدع له في خلواته، بما يدعو به في جلواته، من نيل كل خير، ووقاية كل ضير، فلا قبل الله له عملا، ولا بلغه من فضله أملا " (38) فقد شهد له محمد المختار السوسي إثر إيراده بعض شعره المُلوكي، بقوله :" ويكفي ما ذكرنا في الدلالة على ما يعلنه من الإخلاص الصافي من قلبه، ومن الحرارة المتوقدة في صدره نحوهم، مما ينبغي لكل مسلم نحو رؤسائه، ما داموا على النهج المستقيم " (39) وهو حب ربطه بحب وطنه المغرب، فقد حزَّ في نفسه ما تعرض له من مؤامرات ودسائس، زرعت بذور الشقاق، فكثرت الفتن والاضطرابات الداخلية، وفي هذا حسب رأيه خروجٌ عن طاعة السلطان وإضعاف لهيبة الدولة، وتشتيت لشمل الأمة التي بذل ما في جهده لجمعه وتوحيد الصف. فوظف المديح السلطاني للفت أنظار المغاربة إلى صلاح ملوكهم واستقامتهم، كي يحبوهم ويحترموهم ويطيعوهم، فينقادوا ذلك التشتت، وإيقاظ الفتن، ليتمكنوا من وضع حد للأطماع التوسعية الخارجية التي تربصت بالمغرب الدوائر، وما زالت. وقد بسط الباحث القول في الأوصاف المدحية التي مدح بها أبو العباس السلاطين الذين عاصرهم(40).

مدح أبو العباس سلاطين الدولة العلوية الذين عاصرهم بأوصاف يرى أنهم اتصفوا بها، وفي الآن نفسه يوحي إلى أنه يأمل أن يتصف بها جميع الحكام، منها صفة العدل والأخلاق الكريمة، وعبادة الله، والسيرة الحسنة، والرأفة والرحمة .

يقول في مدح السلطان المولى الحسن الأول : 

مـلـيـك المعالي سيدي الحسن الذي
بـفـضـل وعـدل فـاق سـاسـة سُوَّاس
سـلـيــل مـلـوك كـالـبـحـور وكـالـبدو

ر في الجود والإرشاد والأسد في الباس

مدح المولى عبد الرحمن  بقوله : 

تـهـنّـئ الـمليك العبد بالسعد والهنا
ونـيـل الـمـنـى مـن  [ ذُلّ ] كل صعابة
ولـم تـأت حـتـى أبـصـرت مـا تـحبه
مـن الـمـلـك الـعدل الرضا مع زيادة (42)

             وقد تألم أبو العباس لحال الناس الذين يعانون من الفقر والبؤس بسبب انتشار الجدب والأوبئة فألحَّ على الجود والإحسان اللذين مدح بهما المولى الحسن  الأول في قوله :

أفـاض ندى في الشرق والغرب نائبا
مـنـاب سحاب الغر في نشر أرغاس
إذا صدر العافون عن ورده غدوا

مـوارد للـظـمــآن مـن بـعـد إفــــــلاس (43)

وقوله :

مـليـك المعالي سيدي الحسن الذي
بـإحـسـانـه قـادَ الـقـُلـــــوب وقــــيــَّدا

وداوى بـإكـسـيـر مـن الـعدل كل ما

كـسـيـر حـمـاه الله أهـيـب أصـيــــدا (44)

اشتهر أبو العباس بنصح مخاطبيه في إخوانياته وإرشادهم إلى الطريق السوي، مما يدل على شعوره بالمسؤولية الكبرى  الملقاة على عاتق العالِـم؛ التي تحتم عليه إسداء النصيحة للناس، ودعوتهم إلى الإخلاص في عبادة الله U، وتحذيرهم من التمسك بالدنيا والإعراض عما ينفعهم في الآخرة، فمن توجيهاته للعلماء قوله مخاطبا الحاج الحسين الإيفراني :

ولازم نـشـرَ مـا عُلـِّمت حتى
يــرى لــردا حـيـاتك خير طي
وقـمْ بـالـحـقِّ لا يـزلـلْـك حب
ولا خـوفٌ عـن الـنـهج السوي
وإيـاك الـدّنا وغـرور وجــــــه
لـهـا فـي أعـيـن الـحـَمـقى بهي

وقوله مجيبا الأديب أبا الحسن علي بن عبد الله الإلغي عن قصيدة له :

ودواؤُنــا طــرّا دوامُ تــضــــــرّع
لله لا طـبٌّ ســواه نـنـــتـــقــــي
مـع بذل جهد في التقى وتحرز
مـن حـب دنـيـانا المضل المزلق

لا سـيّـمــا حـبُّ الـرئـاســة إنه

الدَّاء الـعـضـال يـقــل مـن لـم يوبق (45)

قبل ختم هذه النظرة التي ألقيناها على جوانب من شعر الجشتيميَّين : أبي زيد وأبي العباس، فلنتأمل أبياتا من قصيدة لأبي العباس بث فيها بعض همومه، مشتكيا لربه ووالده ما يعانيه جرَّاء تحكم النفس اللوامة في سلوكه، ومضايقة أعدائه له. يقول : 

أيـا ليت شعري هل إلى الوطن الرَّحب

وسـكّــانــه أهــل التـواصـل مـن لـحــب

وهـــل بـاعـــثـــي شـوق يـفــل غـــــراره
شـبـا كـل خب رام صرعي أو خطبي
وهـل أرغــم الأعــدا أنـــوفـــا وأجـتـني
ثـمـار الـهـوى فـي جنة الوصل والقرب
رويــــدك إن الـــــهـــدي أصــــدق آيــــة
عـلـى مـا انـطـوت عـنـه ضـمـائـرنا تنبي
نـعـم كـنــتُ مــأســـورا يُـعـــاني قـيـــوده
وألـقـيـت مـن سـوء الـجـرائـم في جُبِّ
مـتـى رمـت ذكر الحب قوبلت بالعصا
وإن رمـت لـقـيـاه فـبـالصَّـارم الـعضب
إلـى الله أشكــو طـالـما استولت العدا
عـلـي ولـيـس الـنَّـصـر إلا مـــن الــــــرّب
فـمـا زال بـي مــا يـحـدثــون مــنــــوَّعــا
من الضرب حتى لم أعرج على الصَّحب
يــمــرُّ ســواد الـعـــاشقــيـــن بــمــربـضي
يسـيـرون آسـاداً عـلـى الأيـنـق النُّجب
لـبـاسُـهــمُ تـقــوى الإلـــه، غـــــذاؤُهـــــم
مـعـارف ربـي والـشـراب مـن الـحــب
فـديـتــك ســامــح فـي الـحقوق مقصِّرا
فـكـــم درة أهــدت يــداك وكـــم طـب (46)

أسلوبية الشاعر في تصوير همومه وشكواه اعتمدت تكرار "هل "؛ وهو أسلوب إنشائي يوحي بكونه يعاني صعوبة تحقيق ما يشتاق إليه من تحقق التواصل بينه وبين وطنه وأحبته .

وكذا إذلاله لأعدائه الذين طالما اشتكى في شعره من ظلمهم له، ولبعض أقربائه، ثم صرح بشكواه إلى ربه، موظفا أسلوب القصر الحقيقي الدال على تفويضه أمره إلى الله عز وجل، وقد كنى على ظلمهم له بالضرب، ومشيرا إلى صنف الصحب الذين يستأثرون بصحبته؛ إنهم من المتقين لربهم، الذين لم تستهوهم شهوات الدنيا، وإنما استهواهم حبهم لفالق الحب والنوى .

لقد حققت هذه الأطروحة العلمية أهدافا دينية وعلمية وأدبية؛ نلخص منها ما ذكره الباحث؛ ذلك أنها عرَّفت أسرة علمية لها حضور كبير على المستوى العلمي والأدبي والديني والاجتماعي، في فترة ضعفت فيها القيم الدينية  والعلمية والأدبية، والاجتماعية .

وأبانت عن قدرة ذوي ألسن أمازيغية على إسداء الكثير للثقافة العربية الإسلامية بلغة عربية لا تعرفها أمهات علماء هذه الأسرة وأدبائها، كما أبرزت الأطروحة الدور الأدبي؛ شعرا ونثرا الذي قامت به، واصلة ماضي الأدب العربي في منطقة سوس بحاضره ومستقبلـه؛ وهو ما كون أساسا من أسس نهضتنا الأدبية الحديثة والمعاصرة، وحلقة من حلقات سلسلة الحركة الشعرية التي انتعشت في جنوب المغرب، وآتت أكلها الطيب في القرن الهجري الرابع عشر. وأسفر هذا البحث العلمي القيم والمتميز عن صناعة ديوانين شعريين لعلمين من أعلام الأسرة الجشتيمية خاصة والشعر المغربي عامة، يقول عنهما صانعهما الدكتور اليزيد الراضي :" وقد بلغت أبيات هذا الديوان نحو 8500 بيت؛ ثلاثة أرباعه تم إخراجها من ظلمات الخزانات الخاصة والعامة ليرى النور لأول مرة، ويتمكن الباحثون والدارسون من قراءته والانتفاع به .(47)

فما أحوج ما أبدعه علماء سوس وأدباؤه إلى مثل هذا الباحث الذي بذل جهدا فكريا وعضليا وماديا، يدركه من قرأ عمله العلمي، كي يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا التراث الثقافي السوسي المعرَّض للتلف والضياع. 

Publicité
Commentaires
O
لكي يبقى التراث الثقافي السوسي <br /> حيا
أكشتيم
Publicité
أكشتيم
Newsletter
Albums Photos
Publicité